
التجربة الانتخابية الروسية … مشاهدات من ارض الواقع – الحلقة الثالثة
الجورنال – متابعات – (JNA)
تنشر “الجورنال” تزامنا مع الاحداث الروسية الاوكرانية الجارية حاليا، مقالا للقاضي قاسم العبودي على شكل اربع حلقات، يسلط فيه الضوء على التركيبة البنيوية للدولة الروسية من خلال استعراض تجربة الانتخابات والممارسة الديمقراطية فيها.
يقول في المقال:
انتخابات مجلس الدوما:
مجلس الدومة او المجلس الادنى هو احد مجلسي البرلمان الروسي المكون من مجلس الدومة ومجلس الفيدرالية او المجلس الاعلى ويتكون المجلس الاعلى من (166) عضوا بواقع عضوين اثنين لكل مقاطعة روسية من المقاطعات الـ(83) بينما يتكون مجلس الدومة (مجلس الشعب) من (450) عضوا .
النظام الانتخابي لانتخابات مجلس الدومة الروسي :
تم تبني النظام المختلط (المتوازي) لانتخابات مجلس الدومة الروسي منذ عام 1993 حيث اجرت روسيا اول انتخابات تشريعية كدولة مستقلة عن الاتحاد السوفيتي على اثر مواجهة عنيفة بين الرئيس بوريس يلتسن ونواب مجلس الشعب انتهت بنظام ما بعد الشيوعية الشاب الى حافة الهاوية وعقب حكم الطوارئ الرئاسي ، صمم السياسيون الروس ممن يملكون خبرة ودراية بالنظم الانتخابية الغربية القوانين الانتخابية تحدوهم الرغبة بتشجيع تشكيل الاحزاب ودعم الاصلاحية منها اذ توصل هؤلاء الساسة الى ان الخيار الافضل بالنسبة لروسيا هو نظام انتخابي مختلط وذلك بدمج نظامي التمثيل النسبي ونظام الأغلبية (الدوائر المنفردة) ، فكان من المتوقع ان ينتج عن الانتخابات فوز ساحق للاحزاب السياسية الاصلاحية وتحديدا حزب (خيار روسيا) وهو كتلة انتخابية برئاسة رئيس الوزراء الاسبق ايغور غايدار وعضوية العديد من وزراء ومستشاري حكومة يلتسن ، ولكن تلك المخاوف التي كانت تساور الساسة الذين صمموا النظام الانتخابي الجديد كانت حقيقية وواقعية ، فلقد فاز الحزب الوطني الليبرالي الديمقراطي الروسي بنصف عدد المقاعد في الانتخابات الروسية الاولى وبذلك ضم المجلس التشريعي الجديد في عضويته اغلبية مناهضة للاصلاح . وعد ذلك حسب راي روبرت موزر من الانذارات الكبيرة لنهاية الديمقراطية في روسيا وهي الحقيقة التي مفادها ان نفس الحزب الذي فاز باغلب الاصوات في التمثيل النسبي كان اداؤه ضعيفا جدا في انتخابات الدائرة المنفردة بحيث لم يفز هذا الحزب سوى بـ5 مقاعد من اصل 255 مقعد انتخبت بموجب نظام الدائرة المنفردة ، فقد هيمن المرشحون المستقلون على هذا الشق من الانتخابات مما حدا بهم على تشكيل كتل خاصة بهم في البرلمان بعد الانتخابات وبذلك اسهموا في مضاعفة عدد الاحزاب داخل البرلمان بدلا من تقليلها ، وشهدت الانتخابات التشريعية اللاحقة التي اجريت في عام 1995 استمرار هذا التناوب والتباين في الاداء لمعظم الاحزاب في التمثيل النسبي والدائرة المنفردة بمقعد واحد ، وفي الوقت نفسه ازداد معدل تشكيل الاحزاب بدلا من أن يتناقص وينخفض. علاوة على ذلك فان الانتخابات الرئاسية التي اجريت بعد ستة اشهر نتج عنها مفاجأة اخرى وهي اعادة انتخاب الرئيس الاصلاحي بعد دورتين انتخابيتين تشريعيتين شهدتا حالات فوز كبيرة ومضطردة للقوى المناوئة للاصلاح .
تقييم النظام الانتخابي المختلط في روسيا
في عام 1993 تبنت روسيا نظاما انتخابيا دمج بين نظامين منفصلين وهما نظام التمثيل النسبي ونظام الدائرة المنفردة بمقعد واحد ، وعلى الرغم من ان مثل هذا الدمج بين الانظمة الانتخابية ليس بالامر المألوف عالميا الا انه اخذ بالانتشار وبشكل مضطرد فلقد تبنته كل من الدول التي تخلت عن النظام الشيوعي وهي : هنغاريا وليتوانيا واوكرانيا وكرواتيا وجورجيا وارمينيا واذربيجان وبلغاريا ومقدونيا وطاجاكستان وأوزبكستان وقرقيزستان.
وقبل أن نسترسل في تقييم النظام الانتخابي في روسيا سنستعرض مع القارئ ما كتبه الباحثون في تقييم النظام الانتخابي المختلط في تلك الدول والتي ترجمنا قسماً من آرائهم بمناسبة انتهائنا من تأليف كتابنا (تأثير النظم الانتخابية في النظام السياسي دراسة مقارنة).
وملخص هذه الآراء إن النظام الانتخابي المختلط غير المترابط (المتوازي) الذي كان السمة البارزة التي امتازت بها الدول التي كانت تطبق النظام الشيوعي، قد طبق بادئ الأمر في بلغاريا في حزيران 1990 قبل أن يمتد إلى جورجيا في تشرين الأول 1990 وكرواتيا 1992 وليتوانيا 1992 ويوغوسلافيا 1992 وروسيا 1993 وأرمينيا 1995 وأوكرانيا 1998 ومقدونيا 1998، فمنذ ابتداعه في أوروبا الشرقية فإن النظام الانتخابي المختلط غير المترابط قد تبنته دول متنوعة مثل اليابان وتايوان والكاميرون وغواتيمالا ودول أخرى مما جعله اسرع الأنظمة الانتخابية نمواً في عالم اليوم.