
التجربة الانتخابية الروسية … مشاهدات من ارض الواقع – الحلقة الاولى
الجورنال – متابعات – (JNA)
تنشر “الجورنال” تزامنا مع الاحداث الروسية الاوكرانية الجارية حاليا، مقالا للقاضي قاسم العبودي على شكل اربع حلقات، يسلط فيه الضوء على التركيبة البنيوية للدولة الروسية من خلال استعراض تجربة الانتخابات والممارسة الديمقراطية فيها.
يقول في المقال:
نتواصل مع القراء والباحثين في الكتابة عن التجارب الانتخابية في العديد من دول العالم من خلال مشاهداتنا العيانية ومشاركاتنا بمراقبة الانتخابات فيها”.
في هذه المجموعة من المقالات سنتعرض للتجربة الروسية باعتبارها من التجارب الحديثة، تبنت روسيا الاتحادية ومنذ 1993 نظاما انتخابيا مختلطا متأثرة بدول الموجة الثالثة للديمقراطية (دول اوربا الشرقية) وباقي الدول التي انسلخت عن الاتحاد السوفيتي في حقبة مابعد الشيوعية، ومن خلال زيارتنا لهذا البلد لأكثر من مرة ولقاءاتنا مع رئيس وأعضاء اللجنة المركزية للانتخابات في روسيا الاتحادية وكذلك مراقبتنا للانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في الرابع من آذار عام 2012 إضافة إلى ماكتبه المختصون بالشأن الانتخابي عن تلك التجربة الحديثة ، وبالاخص مادونه الكاتب روبرت موزر في كتابه النتائج غير المتوقعة (النظم الانتخابية والأحزاب السياسية والتمثيل في روسيا الاتحادية) ، كانت هذه الانطباعات التي سنتعرض لها في هذه المجموعة من المقالات .
مقدمة
روسيا الاتحادية جمهورية فيدرالية نظام الحكم فيها رئاسي يضطلع فيه الرئيس بصلاحيات واسعة أهمها تعيين رئيس الوزراء ورئيس وأعضاء مجلس الدولة واتخاذ القرارات النهائية للسياسة الخارجية والدعوة للاستفتاء ، وحل مجلس الدومة (البرلمان) والمصادقة على قرارات الحكومة أو إلغائها وتعليق أي قرار تشريعي فيدرالي يتناقض مع الدستور والقوانين الفيدرالية النافذة والمصادقة على القرارات التشريعية وإعلان حالة الحرب والطوارئ بالإضافة إلى منصبه كقائد عام للقوات المسلحة .
علما انه تم تعديل الدستور الروسي من قبل مجلس الدومة في 11/تشرين الثاني/2008 بناءً على اقتراح الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف لتصبح ولاية الرئيس 6 سنوات على أن يطبق خلال الدورة الرئاسية الحالية التي فاز بها فلاديمير بوتين، ويتكون الاتحاد الروسي من (83) وحدة مكونة للاتحاد الفيدرالي الروسي بواقع (21) جمهورية و(10) أقاليم و(45) مقاطعة و (5) مناطق حكم ذاتي ومدينتين فيدراليتين هما موسكو وسانت بطر سبيرغ ، وروسيا الاتحادية هي اكبر الدول مساحة وهي بحق الجمهورية التي لا تغيب عنها الشمس آذ تمتد حدودها عبر ثلاث قارات هي أوربا واسيا وأمريكا الشمالية ، وقد وصفها احد المرافقين لنا اثناء مشاركتنا في مراقبة الانتخابات الرئاسية الاخيرة وهو من الخارجية الروسية بان روسيا ينام بعض من شعبها في الوقت الذي يصحو البعض الاخر وهذا يعني عظمة هذا البلد وقوته والمساحة الشاسعة التي يمتلكها .
يتمتع فلاديمير بوتين بنفوذ كبير اذ يتزعم حزب روسيا الموحدة الذي يحضى بالأغلبية البرلمانية ولدورتين متتاليتين إذ يبلغ عدد مقاعده في مجلس الدومة الحالي 238 مقعدا ، حيث مكنت تلك الأغلبية المريحة بوتين من تنفيذ سياسته الرامية إلى تعزيز السلطة المركزية وإعادة هيمنة الدولة على المصالح الحكومية بعد إن فرط بها الرئيس الاسبق بوريس يلتسن لمصلحة القطاع الخاص إلا إن هذه السياسية اتخذت صورا مختلفة لم يكن التشريع وسيلتها الوحيدة بل تم استثمار عناصر الترغيب والترهيب ، منها استخدام القوة الاقتصادية الروسية لغرض تعزيز السلطة المركزية على الولايات الروسية وربما تعدى ذلك إلى الجمهوريات المنسلخة عن الاتحاد السوفيتي السابق ، إذ ما انفك بوتين عن تهديد أوكرانيا بنقل خط أنابيب الغاز الروسي الذي يمر عبر أراضيها إلى أوروبا وحرمان هذه الدولة من العوائد التي تحصل عليها نتيجة مرور هذا الخط عبر أراضيها والتي تمثل مصدرا مهما وأساسيا للاقتصاد الأوكراني وكذلك تسليح جيش بيلاروسيا وتجهيزه تجهيزا كاملا من قبل وزارة الدفاع الروسية ومساعدة احد حلفائه المخلصين للوصول إلى سدة الحكم في الشيشان وقد دعا الأخير إلى التصويت وبقوة لفلاديمير بوتين في الانتخابات التي جرت في 4/3/2012 الذي اطلق عليه لقب القيصر والرد على التدخل الأمريكي في جورجيا بدعم جمهوريتي ابخازيا واوسيتيا الجنوبية المنفصلتين عن جورجيا الى حد الوقوف الى جانب اوسيتيا الجنوبية في حربها ضد جوريا والتي انتهت بالاستقلال الفعلي الواقعي عام 2008 علما ان روسيا ونيكاراغوا وفنزويلا ونارو هي الدول الوحيدة التي تعترف بهاذين الكيانين ، اما في الجانب الزراعي فقد عمل بوتين على إصلاح القطاع الزراعي والتقليل من الاعتماد على الغرب وأمريكا بالنسبة لمادة القمح التي طالما كانت سلعة مؤثرة في السياسة الروسية الخارجية بل على العكس أصبحت روسيا ألان في مصاف الدول المصدرة لهذه المادة إذ تنتج نحو 12 مليون طن يتم استهلاك نصف هذه الكمية محليا ويُصدر النصف الأخر للخارج .
وقد انعكست هذه السياسية في حضور روسيا المؤثر دوليا واعادة تشكيل الحلف القديم مع الصين وهذا يؤكد قوة تأثيرها وقدرتها على مجابهة التحديات وتقلبات السياسة الدولية وتأثيراتها في كثير من مناطق العالم ،.