
“المدارس الأهلية”.. خسائر اقتصادية وتجارة على حساب التعليم خاص
الجورنال(JNA)
لم يسلم قطاع التعليم الأهلي في بغداد من الخسائر الاقتصادية الناتجة عن تفشي فيروس كوفيد-19 في العالم، حيث شهدت المدارس الأهلية عزوفاً ملحوظاً خلال العامين الماضيين عقب إغلاق المدارس وتحول التعليم إلى إلكتروني في أغلب الأحيان.
وفي (12 تشرين الأول 2022)، عاد أكثر من 12 مليون طالب في العراق، إلى مقاعد الدراسة بينهم مليون و200 ألف تلميذ التحقوا بالأول الابتدائي، إذ إن العودة إلى المدارس جاءت بعد توقف دام 9 أشهر بسبب تداعيات فيروس كورونا. وكانت المدارس قد عطلت الدوام الحضوري فيها خلال العام الدراسي 2020-2021، فيما وجهت الحكومة بتخفيف الإجراءات للعام الدراسي الماضي والتحول إلى النظام المختلط الذي أعتمد التعليم الحضوري والإلكتروني، في وقت أكدت وزارة التربية أن العام الدراسي الحالي سيشهد دواماً حضورياً بنسبة 100%.
آراء متضاربة
والدة محمد، الذي كان طالباً في إحدى المدارس الأهلية في بغداد، تقول إنها أقدمت على نقل ابنها إلى المدارس الحكومية العام قبل الماضي بعد تحول الدراسة إلكترونيا جراء أزمة كورونا، معللة سبب هذه الخطوة بالقول إن “التعليم في المدارس الأهلية أصبح مشابهاً تماماً لما في المدارس الحكومية وهو لا يوفر أي امتيازات مختلفة كون ان الدراسة تحولت في المنازل”.
وفي حديث لـ “الجورنال“، تشير أم محمد، التي تسكن في منطقة الدورة جنوبي العاصمة، إلى أن “سبب توجهها إلى القطاع الأهلي وترك الحكومي سابقاً، كان لما توفره المدارس الأهلية من سبل راحة للطلبة مثل (المكان النظيف والمستلزمات الأخرى التي تضمن سلامة ابنها)”.
في المقابل، عارض والد إحدى الطالبات التي رسبت في مرحلة السادس الإعدادي وهي كانت طالبة في مدرسة أهلية، القول الذي يمدح قطاع التعليم الأهلي، مؤكداً أن ابنته كانت بحاجة إلى مدرسين خصوصيين رغم كونها في مدرسة أهلية، وهذا خير دليل على فشل القطاع الأهلي.

ويضيف الأب خلال حديثه لـ “الجورنال”، أن “هناك العديد من المدارس الأهلية في بغداد تستعرض اهتمامها في اللغات الأجنبية لجذب الطلبة، إلا أن هذا شكل ظاهري حيث أن ما يقدم من نظام تعليمي داخل المدارس سيئ وهو مخفى عن رقابة وزارة التربية”.
إلى ذلك، تقول أم إحدى طالبات المدارس الأهلية إن “هذه المدارس هي عبارة عن تجارة وهي بعيدة كل البعد عن التعليم”، مبينة أن “الكوادر في المدارس الأهلية متطلبة وهذا ما يصعب الاستمرار فيها من الناحية الاقتصادية”.
ووفقاً لحديث أم مريم، فإنها نقلت ابنتها إلى المدارس الحكومية بعد تحول التعليم عن بعد خلال فترة فيروس كورونا، وهي لا تنوي إعادتها إلى المدارس الأهلية لفشل الكوادر التدريسية فيها حيث أن أغلبهم لا يمتلكون أي خبرة في مجال التدريس.
أجور الدراسات الأهلية
وفي غضون ذلك، يقول أحد مدراء المدارس الأهلية في بغداد إن “الفترة التي تزامنت مع انتشار فيروس كورونا شهدت تراجعاً كبيراً في مستوى الطلبة جراء تحول التعليم عن بعد، ما أسفر عن إغلاق العشرات من المدارس الأهلية نتيجة للخسائر الاقتصادية التي لحقت بها”.
ويؤكد المدير الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن “هناك تحسناً ملحوظاً في عودة الطلبة إلى المدارس الأهلية هذا العام، بنسبة تجاوزت الـ 50% عن العام الماضي”، مستطرداً بالقول إن “عودة الطلبة إلى المدارس الأهلية جاءت لما توفره من امتيازات كبيرة مقارنة بالمدارس الحكومية”.
وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسيف”، في تقرير صدر العام الماضي، إلى أن 3.2 ملايين طفل عراقي خارج المدارس، مؤكدة أن الموازنة المالية في العراق خصصت خلال السنوات القليلة الماضية أقل من 6% للقطاع التعليمي، ممّا يضع العراق في أسفل الترتيب لدول الشرق الأوسط.
وبحسب حديث المدير لـ “الجورنال”، فإن العراق يفتقر إلى وجود قانون تربوي يتحكم بسعر الأجور في المدارس الأهلية، حيث تختلف أجور الدراسة من مدرسة إلى أخرى وما يتحكم بالأسعار هي الرقعة الجغرافية والخدمات التي تقدم فيها من ناحية اللغات والمواد الإضافية.
ويتحدث قائلاً إن “هناك مدارس تبدأ أجورها من 3 آلاف دولار ما يعادل تقريباً الـ 4 ملايين ونصف المليون عراقي، في حين تكون أجور المدارس الاعتيادية (800 ألف إلى مليون و200 ألف دينار للدراسة الابتدائية)، و(مليون و250 ألف دينار إلى مليونين ونصف المليون للدراسة الثانوية)”.
وبشأن رصانة التعليم في المدارس الأهلية، يوضح المدير أن “وزارة التربية تعامل المدارس الأهلية وفق نفس ضوابط وتعليمات المدارس الحكومية”، كاشفاً في ذات الوقت عن وجود شروط تهدد مستقبل هذه المدارس في حال مخالفتها.
ويختم المدير حديثه بالقول إن “المدارس الأهلية التي لا تحقق نسب نجاح تتجاوز الـ 30% في المراحل المنتهية تغرم بأكثر من 10 ملايين دينار، ويعاد تغريمها بنفس المبلغ العام الآخر في حال تحقيق نفس نسب النجاح، في حين تتوجه التربية إلى إغلاق المدرسة نهائياً في العام الثالث إذا تكررت النسب”.
وزير التربية علي الدليمي كان قد تحدث عن الواقع التدريسي في العراق (17 نيسان 2022)، منوها إلى وجود 16 ألف و600 بناية مدرسية في عموم المحافظات، فيما أشار إلى الحاجة لبناء من 8 – 9 آلاف مدرسة بهدف القضاء على الدوام الثنائي والثلاثي في بعض المدارس.
اقتناع وزاري بـ “التعليم الأهلي”
“المدارس الأهلية المخالفة للضوابط الوزارية التي أغلقت في بغداد لا تتجاوز أصابع اليد”، كان هذا الحديث الذي بدأ به علي صبري، المستشار في وزارة التربية.
وزارة الترابية راضية بشكل كبير على الرصانة التعليمية وأداء المدارس الأهلية في العاصمة بغداد، والكلام لصبري، الذي أكد أن وزارته تتعامل مع المدارس الأهلية مثلما تتعامل مع الحكومية وتتطبق عليها جميع الضوابط.
المسؤول الحكومي العراقي، يؤكد أن “وزارة التربية تولي اهتمام كبير في متابعة أداء المدارس الحكومية”، لافتاً إلى أن “التعليم الأهلي أصبح الآن يوازي أداء المدارس الحكومية والتربية إلى الآن لم تسجل ملاحظات كبيرة على هذا القطاع”.
ومع ازدياد المدارس الأهلية في بغداد، جاء حديث المستشار الوزاري الذي كشف عن حاجة العاصمة إلى 200 مدرسة جديدة، في إشارة إلى إمكانية فتح المزيد من المدارس والاعتماد على القطاع الخاص لسد العجز الحكومي.

مشاريع تجارية
محمد عبودي، المشرف التربوي، يرى أن “القطاع الخاص (المدارس الأهلية) في بغداد دائماً ما يكون اهتمامها منصب بالدرجة الأساس على العائدات المادية وليس لتحسين النظام التعليمي في البلاد”.
وهاجم المشرف التربوي، كوادر المدارس الأهلية بالقول إن “التدريسيين في القطاع الخاص أغلبهم ممن لم يتم تعيينهم في المدارس الحكومية وما يجعلهم لا يملكون الخبرة اللازمة لتدريس الطلبة، والدليل على ذلك نتائج هذه المدارس في امتحانات البكلوريا”.
وفي حديث لـ “الجورنال”، يستطرد عبودي، قائلاً إن “الطلبة الذين يتلقون التدريس في أغلب هذه المدارس يكون مستواهم سيئ، ويعانون في المراحل النهائية مما يضطرهم إلى التوجه نحو التدريس الخصوصي، مما يعني أن أولياء الأمور يدفعون ضعف الأموال”.
وذهب المشرف التربوي، خلال حديثه إلى ملف تراجع الاهتمام باللغة العربية وبعض المواد الأخرى، والتركيز على اللغات الأجنبية، موضحاً أن “هذه المدارس تستخدم اللغات الأجنبية كدعاية لجذب الطلاب، لكن 90% من المدارس الأهلية تفشل في تعليم هذه اللغات للطلبة”.
ملف انتشار المدارس الأهلية بشكل غير مدروس، مع ارتفاع الحاجة للمدارس الحكومية اجبر وزارة التخطيط على الخروج بإحصائيات رسمية خلال شهر شباط الماضي، تحدثت فيه عن بناء أكثر من 1800 مدرسة في مختلف محافظات البلاد العام الماضي، حيث توزعت بواقع 444 مدرسة في البصرة، 346 في نينوى، فيما احتلت بغداد ثالثاً بواقع 214 مدرسة بينما و176 في الأنبار وبابل.

أرقام وإحصائيات
وعلى الجانب الاقتصادي، يقول الخبير نبيل العلي، لـ “الجورنال”، إن “القطاع الخاص لم يكن موجوداً قبل العام 2003، إلا أنه أخذ بالازدياد وأصبح اليوم يشكل نحو 5% من إجمالي عدد الطلاب في العراق بواقع أكثر من 2700 مؤسسة أهلية”.
ويضيف العلي، أن “هناك العديد من العوامل التي ساعدت على نمو القطاع الخاص، أبرزها إهمال القطاع العام”، مشيراً إلى أن “الإنفاق الحكومي على القطاع التعليمي منذ العام 2014 بلغ نحو 10 تريليونات دينار سنوياً ما يعادل حوالي 6.75 مليار دولار أميركي”.
أغلب هذه التخصيصات تذهب إلى التكاليف التشغيلية المتعلقة برواتب الموظفين والإنفاق على السلع والخدمات، مع تراجع واضح وكبير في نفقات الاستثمار اللازمة لصيانة واستحداث المرافق التعليمية المتمثلة بالبنى التحتية للمدارس، وفقاً لكلام الخبير الاقتصادي.
وعلى مدار السنوات الماضية، يعاني القطاع التعليمي في العراق خصوصاً على مستوى وزارة التربية من إهمال كبير فتح الباب أمام المستثمرين بإنشاء مئات المدارس الأهلية في العاصمة بغداد دون أي خطط مدروسة من قبل الجهات الحكومية المعنية.