
ماذا بعد قرار المحكمة الاتحادية بعدم دستورية تصدير إقليم كردستان النفط؟
الجورنال (JNA)
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا اليوم الثلاثاء حكما بعدم دستورية قانون النفط والغاز في اقليم كردستان لمخالفته الدستور الاتحادي، وإلزام حكومة الاقليم بتمكين وزارة النفط وديوان الرقابة المالية الاتحادي بمتابعة ابرام العقود لبيع النفط والغاز في الاقليم، تاركة الخيار للجهات التنفيذية بتطبيق نصوص القرار.
وكانت المحكمة قد انعقدت صباح الثلاثاء في جلسة مغلقة للبت بالقضية المرقمة (٥٩/2022 اتحادية) الخاصة بتصدير النفط في الاقليم خارج موافقة الحكومة الاتحادية، وهي الدعوى التي رفعتها وزارة النفط للحد من صادرات الخام التي يمتنع الاقليم عن سدادها للخزينة.
وتثير صادرات الاقليم خلافا شديدا بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية، اذ ترهن بغداد تسليم اقليم كردستان مخصصاته البالغة (12%) من الموازنة العامة للدولة بتسليمها ايرادات بيع النفط الخام من اقليم كردستان الذي بدأ باستثمار نفطه وتصديره منذ اعوام عبر شركات أمريكية وروسية وخليجية التي نقبت عن الخام في عدة حقول في الاقليم.
وفي تموز من العام 2021 اصدرت شركة “ديلويت” المكلفة بالتدقيق في حسابات القطاع النفطي تقريرا اشارت فيه الى ان اقليم كردستان صدّر في النصف الاول من عام 2022 م اكثر من (77) مليون برميل عبر الانابيب، واستهلكت (4) ملايين برميل، بمعدل سعري يصل الى (53) دولارا للبرميل الواحد، وبذا فقد بلغت العائدات نحو (4.1) مليار دولار، لم تحصل حكومة الاقليم منها الا على (1.7) مليار دولار، في حين استحوذت الشركات العاملة على المبالغ المتبقية.
و يشير متابعون الى انّ البناء العام للدولة ومبدأ المحاصصة قد جعلا الاقليم “يتمرد” على القانون، ويفيد الخبير القانوني “حيدر الصوفي” لـ (الجورنال) بأن”المادة (111) من الدستور العراقي تنص على ان النفط والغاز ملك للشعب العراقي في المحافظات كافة، اما المادة (112) تنص على ان ادارة الحكومة الاتحادية لآبار النفط بعد 2005 تتم وفقا للسياسة العامة للدولة.
ويضيف “الصوفي” ان المادة (80/اولا) من الدستور تنص على: ان السياسة العامة للدولة يرسمها مجلس الوزراء، في حين تنص المادة (110) من الدستور على ان :السياسة الخارجية التجارية السيادية من اختصاص الحكومة الاتحادية وهي التجارة الخارجية التي من ضمنها تجارة بيع النفط، مبينا انه وبالرغم من هذه القوانين المقيدة غير ان الاقليم “يستأثر”بايرادات النفط من دون ان يسلم دولارا واحدا للحكومة الاتحادية.
ويشاطر الخبير النفطي “حمزة الجواهري” الصوفي وجهة نظره، قائلا لـ (الجورنال): ((يتصرف الاقليم بتفرد عبر تصديره النفط دون الرجوع للحكومة الاتحادية، ولا يأبه للدستور والقوانين)) مضيفا: ((الكميات التي “يسرقها” الاقليم من حقول كركوك و شركة نفط الشمال سرقة للشعب العراقي تتغاضى عنها الحكومة الاتحادية بشكل صريح)).
ويبدي الجواهري استغرابا من عدم اتخاذ الحكومة اجراءات باعتبارها صاحبة السيادة، مستذكرا: ((اثناء حكومة حيدر العبادي تم في تشرين الاول من عام 2017 إعادة انتشار شاملة للجيش في كركوك سيطر خلالها على جميع الحقول النفطية فلم لا تقوم الحكومة باستخدام نفوذها مجددا ومنع الاقليم من تصدير نفطه بقرار سيادي حازم؟)).
واذا كانت “السيادة” عاملا حاسما في حلول لمشاكل من هذا النوع، فان “قانون النفط والغاز” قد يكون بوابة لتطويقها وفقا للخبير النفطي “مازن العبودي” الذي اوضح لـ (الجورنال) ان سن قانون النفط والغاز من شانه تطويق الخلاف في تفسير المواد القانونية الخاصة باسثمار الثروات، بدلا من ان يفسرها كل طرف على هواه.
ويضيف العبودي لـ(الجورنال) إن “الاقليم ووفق تفسيره يؤكد أحقيته توقيع العقود النفطية بعيدا عن المركز، لذا فان طريقته بالتعاقد تختلف عن جولات التراخيص، منوها الى ان التجاذبات السياسية عطلت القانون وحالت دون مناقشته في الدورات السابقة، رغم كونه مفصليا يحدد الصلاحيات و الجهة المسؤولة عن ابرام العقود، لذا فان الوضع سيبقى على ما هو عليه لا سيما ان ساحات القضاء شهادت دعاوى مماثلة في الاعوام السابقة دون اي تغيير.
و بالرغم من ان قرار المحكمة الاتحادية بموجب الدستور (ملزم وبات) لجميع السلطات فإن الجواهري يستبعد الالتزام به من قبل حكومة الاقليم، قائلا: “معروف ان الاقليم لا يأبه بالدستور، لذا لن يكون لهذا القرار صدى على ارض الواقع” من دون ان يقلل من شأن ما وصفه بـ “تدخل الاطراف الخارجية” المستفيدة من فوضى الصادرات كأمريكا واسرائيل.
لكن الخبير النفطي “مازن العبودي” يربط بين الارادة الوطنية وحل معضلة “الصادرات النفطية” موضحا: “العراق بحاجة الى نَفس وطني وجرأة سياسية للجلوس تحت قبة البرلمان لسن قانون واضح يحدد الاليات والجهة المسؤولة عن التصدير وتوقيع العقود مع التقيد بهذا القانون جملة وتفصيلا”.
